مدونة أبي جعفر عبد الله بن فهد الخليفي: نقض طعن « علي جمعة » في الإمام عثمان بن سعيد الدارمي

نقض طعن « علي جمعة » في الإمام عثمان بن سعيد الدارمي



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
                           
فقد سمعت مقطعاً للجهمي القبوري البغيض علي جمعة المصري يطعن فيه في الإمام عثمان بن سعيد الدارمي زاعماً أنه يشبه الله عز وجل بالحجارة، وإليك نص الدارمي على اعتمد عليه الموتور:
قال الدارمي في الرد على المريسي (2/801): "وَرَوَى الْمُعَارِضُ أَيْضًا عَنِ الشَّعْبِيِّ: أَنَّهُ قَدْ مَلَأَ الْعَرْشَ حَتَّى إِنَّ لَهُ أَطِيطًا كَأَطِيطِ الرَّحْلِ، ثُمَّ فسَّر قَوْلَ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَدْ مَلَأَهُ آلَاءً وَنِعَمًا حَتَّى إِنَّ لَهُ أَطِيطًا، لَا عَلَى تَحْمِيلِ جِسْمٍ، فَقَدْ حَمَّلَ اللَّهُ السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَالَ الْأَمَانَةَ، فأبيِّن أَنْ يَحْمِلْنَهَا؛ وَالْأَمَانَةُ لَيْسَتْ بِجِسْمٍ، فَكَذَلِكَ يَحْتَمِلُ مَا وَصَفَ عَلَى الْعَرْشِ.

فيُقال لِهَذَا الْمُعَارِضِ: لَجْلَجْتَ ولبَّست حَتَّى صَرَّحْتَ بِأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ عَلَى الْعَرْشِ، إِنَّمَا عَلَيْهِ آلَاؤُهُ وَنَعْمَاؤُهُ، فَلَمْ يبقَ مِنْ إِنْكَارِ الْعَرْشِ غَايَةٌ بَعْدَ هَذَا التَّفْسِيرِ، وَيْلَكَ! فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَرْشِ بِزَعْمِكَ إِلَّا آلَاؤُهُ وَنَعْمَاؤُهُ وَأَمْرُهُ فَمَا بَالُ الْعَرْشِ يَتَأَطَّطُ مِنَ الْآلَاءِ وَالنَّعْمَاءِ؟ لَكَأَنَّهَا عِنْدَكَ أَعْكَامُ الْحِجَارَةِ وَالصُّخُورِ وَالْحَدِيدِ فَيَتَأَطَّطُ مِنْهَا الْعَرْشُ ثِقلًا إِنَّمَا الْآلَاءُ طَبَائِعُ أَوْ صَنَائِعُ لَيْسَ لَهَا ثِقَلٌ، وَلَا أَجْسَامٌ يَتَأَطَّطُ مِنْهَا الْعَرْشُ".

فانظر إلى كذب علي جمعة الخبيث فإن الدارمي عثمان بن سعيد نقل عن مخالفه أنه تأويل حديث الأطيط بأنه يئط من الآلاء والنعماء التي فوق العرش!

فرد عليه الدارمي بأن اللالآء والنعماء معان ليس لها ثقل ثم قال ساخراً به (لَكَأَنَّهَا عِنْدَكَ أَعْكَامُ الْحِجَارَةِ وَالصُّخُورِ وَالْحَدِيدِ)، فتأمل قوله (عندك) فهو لا يقول هذا وإنما يلزم به خصمه ، وإلا فهو يرى أن العرش يئط من ثقل الرحمن، وإثبات صفة الثقل صح عن جماعة من السلف.

وقال الطبري في تفسيره (21-501) : حدثنا بشر قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ﴿تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ﴾: أي من عظمة الله وجلاله.

وقال : حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله: ﴿مُنْفَطِرٌ بِهِ﴾ قال : مثقلة به.

قال الحافظ ابن حجر في الفتح ( 8-675 ) : ولابن أبي حاتم من طريق أخرى عن مجاهد : منفطر به تنفطر من ثقل ربها تعالى . ا.هــ

وقال الطبري : حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا أبو رجاء، عن الحسن، في قوله:﴿السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ﴾ قال: موقرة مثقلة.

وهذه أسانيد صحاح ، ومجاهد تلميذ ابن عباس وعنه أخذ تفسير القرآن والحسن البصري من سادات التابعين فالسافل هو من خالف اعتقاد هؤلاء
 وقد رأيت رداً لمازن السرساوي على علي جمعة غير أنه زعم في رده أن حديث الأطيط ضعيف عند عامة أهل السنة ، وهذا خطأ بل الأكثر من أهل السنة قبلوه حتى ادعى الذهبي أنه متلقى بالقبول.

قال الذهبي في كتاب العرش ص155: "ورواه أيضا عن أبيه، حدثنا وكيع بحديث إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة، عن عمر "إذا جلس الرب على الكرسي" فاقشعر رجل سماه أبي عند وكيع، فغضب وكيع، وقال: أدركنا الأعمش وسفيان يحدثون [بهذه الأحاديث] ولا ينكرونها.

قلت: وهذا الحديث صحيح عند جماعة من المحدثين، أخرجه الحافظ ضياء الدين المقدسي في صحيحه، وهو من شرط ابن حبان فلا أدري أخرجه أم لا؟
 فإن عنده أن العدل الحافظ إذا حدث عن رجل لم يعرف بجرح، فإن ذلك إسناد صحيح.
فإذا كان هؤلاء الأئمة: أبو إسحاق السبيعي، والثوري، والأعمش، وإسرائيل، وعبد الرحمن بن مهدي، وأبو أحمد الزبيري، ووكيع، وأحمد بن حنبل، وغيرهم ممن يطول ذكرهم وعددهم الذين هم سُرُج الهدى ومصابيح الدجى قد تلقوا هذا الحديث بالقبول وحدثوا به، ولم ينكروه، ولم يطعنوا في إسناده، فمن نحن حتى ننكره ونتحذلق عليهم؟، بل نؤمن به ونكل علمه إلى الله عز وجل.

قال الإمام أحمد: "لا نزيل عن ربنا صفة من صفاته لشناعة شنِّعت وإن نَبَت عن الأسماع"، فانظر إلى وكيع بن الجراح الذي خلف سفيان الثوري في علمه وفضله، وكان يشبه به في سمته وهديه، كيف أنكر على ذلك الرجل، وغضب لما رآه قد تلون لهذا الحديث".

فإذا كان كل هؤلاء مجسمة ، فمن الموحدون؟

وقال العلامة سليمان بن سحمان في كتابه الضياء الشارق ص معلقاً على كلام الذهبي 178 :" فإذا ثبت هذا عن أئمة أهل الإسلام، فلا عبرة بمن خالفهم من الطغام أشباه الأنعام".

نعم هناك من ضعف هذا الحديث ممن تأخر عن سفيان ووكيع ، ولكنه لم يرمِ القائلين به بالتجسيم أو التشبيه، وقد نص شيخ الإسلام على أن أكثر أهل السنة قبلوا هذا الحديث
حيث قال كما في مجموع الفتاوى (16/ 435) :" وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلِيفَةَ الْمَشْهُورُ الَّذِي يَرْوِي عَنْ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ المقدسي فِي " مُخْتَارِهِ ". وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ تَرُدُّهُ لِاضْطِرَابِهِ كَمَا فَعَلَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُمْ. لَكِنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ السُّنَّةِ قَبِلُوهُ. وَفِيهِ قَالَ: ﴿إنَّ عَرْشَهُ أَوْ كُرْسِيَّهُ وَسِعَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَإِنَّهُ يَجْلِسُ عَلَيْهِ فَمَا يَفْضُلُ مِنْهُ قَدْرُ أَرْبَعَةِ أَصَابِعَ أَوْ فَمَا يَفْضُلُ مِنْهُ إلَّا قَدْرُ أَرْبَعَةِ أَصَابِعَ وَإِنَّهُ لَيَئِطُّ بِهِ أَطِيطَ الرَّحْلِ الْجَدِيدِ بِرَاكِبِهِ﴾".

وهذه الأحاديث أقوى بكثير من الأحاديث التي يعتمدها هؤلاء في باب التوسل وشد الرحال إلى القبور.

وقوله ((كأطيط الرحل)) تشبيه للمتأثر بالمتأثر من جهة وقوع الأثر عليه لا المؤثر بالمؤثر، كما قوله ((سترون ربكم كما ترون القمر)) تشبيه للرؤية بالرؤية لا المرأي بالمرأي.

وهذا كحديث: (إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماء للسماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا فيصعقون فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل حتى إذا جاءهم جبريل فزع عن قلوبهم).

وأما الدارمي الذي تجرأ عليه هذا الأحمق فيكفيك قول الخليلي في الإرشاد عنه: "أبو عمرو عثمان بن سعيد الدارمي كبير المحل ، عالم بهذا الشأن ، يقارن بالبخاري ، وأبي زرعة ، وأبي حاتم ، سمع بالعراق القعنبي ، وأبا الوليد ، وأبا نعيم ، وأحمد بن يونس ، ومن بعدهم ، وأخذ علم الحديث عن علي بن المديني ، ويحيى بن معين ، والبعض عن أحمد بن حنبل ، وله عنهم تاريخ ينفرد به".

وكتابه في الرد على المريسي نكس فيه رايات الجهمية ونقض تحريفاتهم التي توارثوها عن المريسي فينبغي لكل سني أن يعنى بهذا الكتاب كما يوصي به شيخ الإسلام ابن تيمية.
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

. .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب | تركيب وتطوير عبد الله بن سليمان التميمي